روائع مختارة | روضة الدعاة | أدب وثقافة وإبداع | منطق الكل الدّاعي إلى اللاشيء!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > أدب وثقافة وإبداع > منطق الكل الدّاعي إلى اللاشيء!


  منطق الكل الدّاعي إلى اللاشيء!
     عدد مرات المشاهدة: 2912        عدد مرات الإرسال: 0

إذا ظهر الشّعور بالخطر الذي يهدّد الأمّة في أحوالها وشئونها، وكان الهدف النّاتج عن ذلك الشعور هو الوصول بهذه الأمّة إلى برّ الأمان، فإنّ ما بين الشّعور الإبتدائي وبين الهدف النهائي تضيع كلّ الجهود في ظل عدم فهمنا لأسباب هذا التراجع الحضاري أصلاً، وفي عدم قدرتنا على الإتفاق على صيغة عامّة في الرجوع بالأمّة إلى مكانتها.

ولعلّ القارئ الكريم قد لاحظ ما أصبح موضة في عالمنا الإسلامي، ذلك أنّه في كلّ يوم يطلّ علينا مسئول، أو مفكّر، أو داعية، وحال لسانه يقول: أنا وبعدي الطوفان، فلا خروج للأمّة ممّا هي فيه إلاّ بما أُسلّم به وأُحلّله، ثمّ أجيزه لكم وأُرجّحه، فالمجال ضيّق ولا ينبغي الخروج على ما يقال لأنّه خروج عن الفطرة، خروج عن العقل، بل وخروج عن الدّين، حسب البعض منهم، إنّه منطق إدعاء إمتلاك الحق المطلق من أفراد وشخصيات كان الأولى لها أن تأخذ من دروس الماضي من تاريخ الإسلام والمسلمين، وتستفيد من تجارب العصر في وجوب العمل الجماعي المؤطّر، وتجميع الجهود قدر الإمكان للخروج من الحالة التي تعيشها الأمّة.

لماذا نقفز دائمًا بالعمل الجماعي إلى فكرة التحزّب والتجمعات الخادمة لمصالح ضيّقة، أو بالتجمعات التي تأخذ برغبات أصحابها وتدفنها عند المدخل مدّعية توحيد الرؤى، وما هي في الحقيقة إلاّ سلب للإرادة وكبت للإجتهاد وتشييد لجيل آخر تابع؟

أليس في الأمّة ضرورة لتجمّع المجتهدين والنخبة؟ أليس لنا ضرورة وجود تجمّعات تجتهد في الإختصاص وتتعاون مع غيرها من المؤسسات والتجمعات ذات الإختصاصات المتنوّعة؟

إنّ الاجابة على هذه الأسئلة قد تتلخّص في قولنا بأنّ السبب هو إحتواء العقول المفكّرة، والشخصيات المسيّرة على فكرة -منطق الكل- إنّه الادعاء الفردي في إمتلاك الحلول والحقيقة، وحتى الذين يتكلمون عن العقلانيّة وإدعائهم الإجتهاد الذي غاب عن الأمّة في هذا العصر بإسم بعثها من جديد وتحريرها من الجمود، هم أنفسهم أدعياء لإمتلاك الحل على مستويات فرديّة، إنّ منطق الكلّ هو تمسّك بأشياء قد تكون صوابًا وحقيقة، ولكنّها قد تحتاج إلى غيرها من الحقائق كي تتم المنفعة، وقد تحتاج إلى من يفعّلها ويبرزها واقعًا، وقد تحتاج إلى من يشرحها ويفسّرها ويبسّطها للنّاس وللعامّة خصوصًا، وقد تحتاج هذه الأفكار والحقائق إلى من يوصلها إلى أعلى المستويات في الدولة، بل قد تحتاج هذه الأفكار والحقائق إلى من يدافع عنها من وجهة نظرٍ مختلفة ومن إختصاصات مختلفة، فيعمّ الخير والإنتفاع بها، فإذا لم يظهر التعاون بين العلماء والنخبة والدعاة وغيرهم فإنّ سيادة منطق ادعاء الكمال فيما يقال ويطرح من قضايا سيؤدي حتمًا إلى نتيجة واحدة، ألا وهي الوصول إلى اللاشيء، فيكون منطق الكل: أنا وبعدي الطوفان، كأنّه دعوة إلى اللاّشيء.

تأمّل قول الله سبحانه: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِه ِإِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103]. ففي الآية دليل على أنّ نعمة الأخوة والتأليف بين القلوب لا تكون إلاّ بالإعتصام وعدم التفرّق، وبالتالي فإنّ التفرّق وعدم الإئتلاف مع ترك الإعتصام فيه دليل كذلك على زيادة العداوة والتباعد.

ونحن إذ نتكلّم عن ادعاءات امتلاك الحل، فإنّنا لا نقول بأنّ الدعوى تكون بلفظ مباشر، وإنّما لسان الحال يخبرنا بذلك، من نَبز وهجوم على النّاس والمخالفين، ومن نبش في قضايا لا تسمن ولكن تزيد من الجوع بدل أن تُغني عنه بدعوى أنّه لا أحد قد عالجها أو تطرّق إليها، أو كذلك من خلال الادّعاء بأنّه لا مجال للعمل الجماعي والتعاون المؤسّس لأنّه عمل مقيت لا فائدة ترجى منه ولا جدوى من الدخول فيه، فكلّ ذلك وغيره من مواقف -قد يعلمها القارئ الكريم- فيها ما فيها من الدلالة على العقليّة التي أصبحت سائدة عند المسلمين وخاصة النخبة منهم، إنّها منطق الكل الذي يدّعي الكمال فيما يقال ويفعل بعيدًا عن التعاون ومحاولة التوافق مع غيره، ولكن حقيقة تلك المواقف هي أنّها داعية إلى اللاّشيء. لأنّ الإستغناء عن قدرات الآخرين في طريق البناء هو إستغناء عن البناء ذاته فنفقد كلّ شيء ولا يبقى إلاّ الإدعاء.

الكاتب: رمزي بن دبكة.

المصدر: موقع نوافذ.